
سمير القريوتي / روما
مساء الخميس الثالث من فبراير 2022 أدى رئيس الجمهورية الإيطالية اليمين الدستورية أمام الجمعية الانتخابية في قصر مونتيشتوريو و القى خطابا استغرق 40 دقيقية ووضع إكليلا من الزهور على ضريح الجندي المجهول في ساحة فينيسا وسط روما، وعاد الى القصر الجمهوري ( كويرينالي ) ليبدأ عهدته الثانية لمدة 7 سنوات، التي تنتهي في فبراير 2029م.
خطاب سيرجو ماتاريللا وهو في الأساس استاذ جامعي يدرس القانون في جامعة باليرمو مركز جزيرة صقلية، شكل بحد ذاته ينبوعا من المشاعر الإنسانية والكلمات الراقية التي تدور كلها على احترام باقة من القيم النبيلة التي تتركز على احترام الإنسان وإنسانية المواطن ومفاهيم سياسية لا تبتعد عن احترام المواطن أهمها المسؤولية والواجب والعمل بعيدا عنه المزايدة .
قاعة مجلس النواب ضمت نواب البرلمان والأقاليم الذين انتخبوا الرئيس وبعض المدعوين مثل سفراء الدول الأجنبية، أي بدون تلك الجيوش الجرارة من رجال الأمن او السحيجة او الهتيفة وهي أصناف غير موجودة لحسن الحظ في الديمقراطيات الأوروبية، واستمع الناس باهتمام شديد للخطاب الذي بث على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون او بالوسائل الحديثة خاصة الهواتف الذكية.
صفق الحضور للرئيس ماتاريللا 55 مرة اطولها ولمدة 5 دقائق عندما تحدث عن إصلاح العدالة وضرورة قيام القضاة والمحامون كل بواجبه وفق نصوص الدستور وضرورة العمل على إصلاحات من شأنها خدمة الناس بما يتوافق مع التطور في المجتمع. في عهدته الأولى وعند تنصيبه للمرة الأولى يوم 3 فبراير 2015 م صفق له الحضور يومها 40 مرة، ومن المفارقات أن الرئيس ساندرو بيرتيني أكثر رئيس جمهورية شعبية في تاريخ إيطاليا صفقوا له 6 مرات فقط يوم تنصيبه في 9 يوليو 1978 مع انه كان من أبطال المقاومة ضد النازية والفاشية ورفض السكن في القصر الجمهوري وفضل البقاء في منزله ومنع زوجته من استخدام سيارة القصر لعدم إيمانه بامتيازات تبعده عن الناس.
ما هي الكلمات الأكثر استخداما في خطاب الرئيس ماتاريللا ؟! كلمات مثل : الكرامة، الواجب، الحقوق المغيبة، المسؤولية، المساواة، العدالة، مصالح العامة، احترام الدستور، التقيد بالقوانين فاضت من كل مقاطع الخطاب وقيلت بهدوء وتواضع قل مثلهما ودون استخدام لتلك الكلمة البغيضة أنا وأنا المستخدمة كل ثانية في دول الجور والقمع، كما غاب فعل الأمر واستخدمت لغة بسيطة وواضحة وراقية في الصيغة والجوهر تعبر عن إنسانية تفوق الوصف لا تلمس فيها مزايدة او غرور كريه او استخفاف بعقل الناس كما هي العادة في مناطق اخرى من العالم ، خاصة تلك المنكوبة بالديكتاتوريات الجاهلة وأنظمة الجاهلية المطلية بقشور الحضارة الزائفة التي تتساقط مع اول ضربة لشمس الواقع و الحقيقة. اعتقد ان كثيرا من موجات التصفيق للرئيس الإيطالي عبرت أحيانا عن مدى نفاق رجال الأحزاب والسياسة وهو يعرف ذلك تماما ولهذا اختار كلمات بسيطة ومدلولات شفافة وأطلق أكثر من تحدي لنواب الأحزاب : عليكم بمراعاة تنفيذ الدستور بكل استحقاقات الدستور وتجاوز كل الأزمات والمصاعب يتم بشكل جماعي وأوضح انه سيحمي الدستور في حدود التكليف الممنوح له أي انه سيعمل كما فعل في العهدة الأولى بدون مجاملة او محاباة وعلى بقية السلطات ان تقوم بواجبها بنفس روح المسؤولية. هنيئا لماتاريللا بعهدته الثانية وهنيئا لإيطاليا بدستورها المنصف الذي يغلب مصلحة المواطن على بقية المصالح.