سمير القريوتي/روما

يتابع الملايين على شاشات التلفزيون في العالم العربي والعالم تفاصيل عملية انقاذ الطفل المغربي ريان الذي سقط في بئر قيد الحفر عمقه 60 مترا في بلدة طمروت من اعمال مدينة شفشاون في ريف المغرب. بعض شبكات التلفزيون تبث ليلا نهارا الوقائع وتروي تفاصيل محاولة انقاذ ريان الذي يتردد اسمه على كل لسان من الصين حتى ابعد نقطة عنها في الكرة الأرضية. ريان المغربي أصبح بكل جدارة ابن كل واحد فينا وكل واحدة منا وهو الان ابن مئات الملايين في كل مكان الكل يدعو ويبتهل ويتمنى التوفيق لرجال الإنقاذ في المغرب، كي ينجحوا في أصعب هدف وهو ربط الطفل وسحبه الى الأعلى.
قبل 41 سنة بالضبط وبالتحديد من 7 الى 10 يونيو 1981 تابعت على شاشات التلفزيون الإيطالي بقنواته الثلاث، وقائع سقوط الطفل ألفريدو رامبي، في بئر مهجورة في بلدة فيرميشينو الواقعة في ريف روما، واستخدمت فرق الحماية المدنية كل الوسائل الحديثة في حفر بئر مواز للوصول الى الفريدو. الوقائع ولأول مرة في تاريخ التلفزيون الإيطالي بثت لحظة بلحظة على الهواء مباشرة وركزت عدسات شبكات التلفزيون على موقع البئر الذي احتشد الفضوليون حوله وتكاثر المتطوعون بقربه لتقديم المساعدة . الإحصائيات الرسمية تحدثت عن 27 مليون مشاهد لبئر فيرميشينو التي دخلت التاريخ كبلدة إيطاليا كتبت دراما انسانية عشناها دون استثناء ورقم المشاهدات كان قياسيا على الصعيد العالمي لحدث من هذا القبيل. يومها وكنت صحفيا شابا، تعلمت الكثير من بعض الزملاء الإيطاليين الذين أبدعوا في وصف محاولات الإنقاذ واستدعاء الخبراء للشرح ورسم الخرائط اثناء البث، مما زاد في ثقافة ووعي كل متلقي للمادة الإعلامية لأنها اشركت الجميع في مناقشة حدث كان ملكا للجميع وتجربة علمتنا الكثير.
تابعت في اخر 3 ايام فقط على بعض الشاشات العربية ومواقع التواصل محاولات انقاذ ريان واليوم السبت 5 فبراير زفت الأنباء خبرا مفرحا وهو أن ريان ما زال صامدا وشاهدناه وهو يتعامل مع أنبوب انزل اليه ليساعده على التنفس ، كما صرح احد مهندسي فرق الإنقاذ أن ريان تناول بعض الطعام وشرب كمية من الماء. كلها اخبار مفرحة تساعدنا على الأمل بنهاية سعيدة للحدث.
شاهدت تغطية اليوم السبت على قناة الجزيرة لمحاولات الوصول الى ريان وعادت بي الذاكرة 41 عاما، كيف اقترب عمال الإنقاذ من ريان على مسافة متر ونصف فقط ، وكيف تباطأ الحفر حتى لا ينهار التراب ويسقط في قعر البئر من النقطة التي يتواجد بها ريان وهي 31 مترا اي منتصف البئر. المرحلة دقيقة جدا ولابد من التحلي بالصبر وزيادة الثقة بعمال فرق الإنقاذ المغربية الذين أبدعوا لغاية الآن بكل ما تعنيه الكلمة ولنترك مجالا لهم للتركيز والمثابرة عل وعسى يتمكنون من الوصول الى مسافة قريبة جدا من ريان وربطه وانتشاله الى الأعلى. من الصور لاحظت أن الطفل يعي الوضع الذي يعيش فيه وهو ثابت وابتهل ان تزيد قوته وثباته .
اثناء تغطية الجزيرة ومن داخل الاستوديو بثت القناة لوحتين لطفلين سوريين مشردين من المخيم الى البئر. أنا لا أدري ما القصد من التذكير بوضع أطفال سوريا داخل برد وصقيع المخيمات أثناء الحديث عن معاناة ريان داخل برد وصقيع بئر شفشاون.مهما كان القصد اقحام صور اطفال سوريا في القصة كان في غير محله ولا مبرر له على الإطلاق. أنا شاهدت وقائع انقاذ الفريدو وكنت يومها افكر عشرات المرات بأطفال مخيمات الفلسطينيين بكل المآسي التي كانت تعيشها وهذه المرة وانا اتابع ريان فكرت مليا بريان المغربي و الفريدو الإيطالي وحميدان العربي .ترى كم حميدان عربي مات تحت ركام القصف في اليمن والعراق وسوريا وليبيا وجنوب لبنان وغزة. اتابع وكالات الأنباء الأجنبية بصدد ريان المغربي واكتشف ان بعض الأوغاد فتحوا صفحة فييس بوك باسم والد ريان مع انه لا يملك هاتف جوال وهو مزارع بسيط يهتم بحقله ومحصول زراعته ومجموعة أخرى تبيع قمصان عليها اسم ريان ثمن القميص 16.50 يورو هؤلاء وعندما تنتهي الحادثة بسلام يجب محاسبتهم على هذا التصرف والاستغلال بواسطة القانون .