
عام 2014م لم اكن “مشارك نشط ” في فييس بوك، واعلن انني ما زلت قليل خبرة لأني أعرف طبيعة هذه المنصة .اثناء تصاعد العدوان القذر على شعبي العربي الفلسطيني وكانت جائحة كورونا قد الزمتنا التمترس خلف لوحة الكومبيوتر، شاركت في ندوة جامعية عن القضية الفلسطينية استلزمت ان اكون مشاركا في هذه الوسيلة الحديثة .
اليوم 8 مارس 2022 وأنا أرد على رسالة صديق ، انتبهت لمنشور باسم اخي وصديقي المناضل الدكتور اللامع فيصل الحايك، ابن الأردن وفارس فلسطين في ايطاليا ، والذي تضمن مقالا قديما لي حذرت فيه من الكارثة التي حلت بالثورة الفلسطينة نشرته قبل حوالي 25 سنة في جريدة القدس العربي برئاسة الأخ والصديق عبدالباري عطوان.
فيصل الحايك هو بروفسور في الطب هو جراح لامع ويعتبر من اكبر خبراء جراحة العظام في ايطاليا وأوروبا . تشهد له عملياته الدقيقة جدا ومئات العمليات المعقدة. تشهد له عملياته أيضا في مستشفيات عربية وحالات معقدة وصعبة تغلب عليها بكل تألق وابداع دون في سجلات الطب.
فيصل الحايك وانا اعرفه لأننا كنا ابناء الجامعات الإيطالية فهو درس الطب في روما وأنا العلوم السياسية في أعرق جامعات العالم جامعة بولونيا بشمال ايطاليا ( 950 سنة لم تنقطع بها الدراسة لا في زمن السلم و لا الحرب ) ، تميز وحتى الآن بالشهامة، والأصالة ، والفروسية ونبل الأخلاق وما زال لديه وهو ايطالي بالتجنس مثلي، نقطة ضعف امام كلمة عربي. عالج فيصل مرضى عرب بالمئات وكان يقول لي احيانا عن الوضع المأساوي للكثير منهم وكنت أعرف بعدها وليس منه انه لم يقبل أجرا وعالجهم بالمجان فهو قومي حتى النخاع وله صولات وجولات في تبني القضية الفلسطينية والدفاع عنها بلغته الإيطالية المتفوقة وعربيته الأصيلة المتقنة.
اكتب هذه الكلمات كي أشكره على نشر مقالتي هذه واغتنم الفرصة كي اقول أن فيصل هو قمة التواضع بالرغم من كل ما ذكرت ولا يتفوه بحرف واحد عما يعمل او ينجز .
كثيرا ما تناقشنا في موضوع الإنتخابات الإيطالية وكان يوافق دائما على وجهة نظري وهي ان وضع العرب والفلسطينيين والمسلمين غير مهيء ولا ناضج ” لمواجهات انتخابية ” فنحن في ايطاليا مختبر الأحزاب والنقابات والعمل الجماهيري وليست لدينا البنى القادرة على خلق جماعات ضغط وتأييد والخصم الذي نواجهه ليس احدى جمهوريات الموز او دويلات الغبرة والزجاج بل أشرس قامع لحق الشعوب في تقرير المصير وأكبر حرامي في مجال سرقة الأرض على مدى كل انواع التاريخ القديم والحديث.
أنا اشكر فيصل الحايك … الدكتور فيصل الحايك .. البروفسور فيصل الحايك الذي يعرف غرف العمليات الجراحية مثل جيوب سرواله و معطفه وبالبرغي والمسمار ، لأنه اتاح لي الفرصة للدفاع عن بعض المهن :
مهنة الطبيب: فيصل الحايك لم يتفاخر يوما ولم يطبع منشورات عن انجازاته الهائلة ولم يمسح جوخ ولم ينشر عشرات التصريحات ليكذب ويقول انه خبير كورونا فيروس على العكس ، في بداية الجائحة اتصلت به للاستفسار واجاب كعادته بما يعرف ومتوفر لديه .
غيره وهم قلة لعنوا ابو أبو ابونا وهم يتحدثوا عن كورونا فيروس ويتزحلقوا في سهولها وكل ما كانوا يقولوه ويقولونه هو بيانات وزارة الصحة الإيطالية عن مسار الوباء . هؤلاء يعطون للصحافة أرقام حروب ليبيا اي عدد القتلى والجرحى وهم في روما واذا الأمم المتحدة قالت سقط في طرابلس 200 قتيل هم يقولون 320 كيف ؟ لا تعرف ؟! الآن يصرحون ان عدد الطلاب العرب في أوكرانيا 75 ألف مع أن كل وزارات التعليم في كل الدول العربية لا تعرف عدد طلابها في أوكرانيا لأن القسم الأعظم منهم ذهب للدراسة على نفقته ولا علاقة للدول بهم ، يعني مثلنا انا وفيصل نحن درسنا على حسابنا ولم نتلقى مليما واحدا وهذا هنا في ايطاليا حال الغالبية الساحقة الطاحنة من كل الدول العربية اينما كان.
في زماني أنا وفيصل هنا كان اخواننا الأحباء الليبيين منذ زمن الملكية وبعدها في زمن القذافي يتلقون منح دراسية ولنا منهم اصدقاء اعزاء. اليوم لا أعرف. بهذه المناسبة أنا اقول ان الجهة الثانية التي كان لها طلاب منح دراسية هي فلسطين حين اعطت الحكومة الإيطالية للشعب الفلسطيني في زمن اندريوتي وكراكسي وفي سياق العودة لمنهج سابق اي مطلع الخمسينيات بعض المنح الدراسية لطلبة من الأردن ، لبنان ، سوريا وبعد سنوات لمنظمة التحرير الفلسطينية.
لي خبرة في هذا الموضوع واقول بأعلى صوتي ان توزيع المنح في منظمة التحرير تحول الى ساحة لشراء الذمم والولاءات .
المهنة الثانية التي بهدلوها عندنا العرب هي مهنة الصحفي. لي صديق هاتفني قبل أيام وهو عربي اصيل ومهني رفيع المستوى وسألني ان كنت سأحضر ندوة سياسية في مدينة ايطالية فقلت له انا كصحفي لا احضر الا اذا تلقيت دعوة وجرنا الحديث الى الصحافة والصحفيين وقال لي بالحرف :
” يا اخي اليوم امتهنوا شغلة جديدة وهي انهم يأسسوا هيئات اعلامية ووكالات ويتجولون لكسب المال … تصور يا اخ سمير ان احدهم عين بياعة خضار مصرية برتبة مذيعة عنده بعد الظهر ” قلت له يا ابن الحلال ليش زعلان فالبعض كان شفير سيارة وصار صحفي والبعض معلوماته عن غرفة العمليات الجراحية ، مثل معلومات الكندرجي عن صاروخ بوتين النووي وبيقول عن حاله بروفسور وصحفي ورئيس خمسين منظمة على الورق .
اكثر ما يثير قرفي ويصيبيني بالاشمئزاز هم عناصر فصيلة المنتفعين الكثيرون اليوم في الساحة الفلسطينية في ايطاليا ( الساحة العربية مش أحسن بل خربانة والساحة الإسلامية … يا سلام سلم ) حيث تعودوا رصد الناس لحساب المعلم هنا وهناك.
صديقي وزميلي الراحل الذي كان مراسلا حربيا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية ( راي ) رينو شريفونيه وعندما كنا نتجول في غزة او الضفة الغربية او دمشق كان يقول لي بعد ان يسمع : ” حسنا فلان يتحرك بهذا النشاط ولكن السؤال هو : من يدفع ؟ ” . هذه المقولة ظلت محفورة بذهني و في كثير من الحالات اعرف قيمتها !!.
احدهم يستخدم عبارة ويعلق على ما اكتب بكلمة عاهرة من قاموسه البدائي القمعي . لم أرد عليه لغاية الآن حتى لا اعطيه قيمة هو لا يستحقها ولكن ان قرأتها مرة اخرى سوف ارد عليه بما يستحق وأنا اقول له هنا ومنذ الآن وفي ظل الحرب العالمية الثالثة الوشيكة: ” اسمع يا فلان انا غدا سوف استأجر شاحنتي نقل صغيرتين. اجرة الواحدة 100 يورو حسب الإعلان التجاري، سوف اضع الشاحنتين الفارغتين على باب منزلي وتفضل تعال خذ كل ما اعطيتني اياه أنت و من يقف وراك. خذوا كل ما اعطيتموني في خمسين سنة حتى منفضة السجائر والله لا يخلف لاعليك ولا على من وراك ” . سوف تعود بخفي حنين لانك لم تعطيني شيء اسكت اذا واهتم بحالك.
هذه ظواهر موجودة في كل مكان لكنها تخفي مخاطر لا حصر لها على نضالنا وقيمنا وما نؤمن به من مباديء. سنواصل جميعا النضال معا وبغض النظر عن بعض التافهين بل الساقطين في كل المعايير فإن الغالبية الساحقة من العرب والفلسطينيين والمسلمين هم مكافحون نرفع الرأٍس بهم ومعهم ، وهم تكرار واعادة انتاج لشخصيات لامعة وقديرة مثل فيصل الحايك ابن الأردن وفلسطين ابن العرب الأصيل.