سمير القريوتي
الحرب العالمية والخبز:
يقترب العالم رويدا رويدا ربما من الحرب العالمية الثالثة او ما يشبه ذلك، مثل قنابل نووية صغيرة تدمر مساحات محسوبة تماما وبدقة بالغة، وتسعى كهدف إما للمعاقبة او الردع او أمر ما في منتصف الطريق كالتخويف بالقدر الكافي لإدارة مراحل سياسية لاحقة، بدأنا في كل العالم ندفع ثمنها منذ الآن لا سيما على الصعيد الاقتصادي حيث كل اطراف الحرب في اوكرانيا التي مرعليها حتى الآن اسبوعين، تسعى الى رعاية مصالحها الاقتصادية وثرواتها القومية وتسخرها في خدمة مواطنيها ومستقبلهم لأنها تعرف قيمة المواطنة وحقوق المواطن، بغض النظر عن لون الحكم السياسي واتجاهاته في كل بلد، وبعيدا عن شخصية الرئيس والقائد والزعيم.
الجميع يقولون ان همهم الأساسي هو المحافظة على مصلحة البلد وتطلعات الناس وارادة الشعب. الجميع ما عدا نحن العرب وخاصة الفلسطينيين، نشهد احساسا جماهيريا كبيرا بخطورة ما يجري وما سيكون لهذه الحرب من عواقب على الوطن العربي برمته لا سيما في مادة أساسية اسمها الخبز وهو الغذاء الوحيد للفقراء وكثيرا ما ادى ارتفاع اسعاره الى احتجاجات شعبية. البلدان العربية تستورد احتياجاتها من القمح من اوكرانيا ومن الذرة من ومواد غذائية اخرى من روسيا وأوكرانيا معا، وتستورد الدجاج والبيض والحديد الذي يلزم في البناء. نشهد الإحساس ولا نرى اي فعل للتعبير عنه.
الموضة السائدة فلسطينيا اليوم هي: “وإحنا شو دخلنا ” أي أفضل ان نبقى ساكتين ولا نعبر عن اي موقف!! مع انها كانت فرصة ومازالت لانعقاد اجتماعات وندوات ومناقشات، ندرس فيها الحدث بكل أوجهه ولأن العالم يتغير بكل ما تعنيه الكلمة. خوفي كبير إنك غدا لن تستطيع استخدام كلمات مثل: احتلال، عدوان، لاجئين، نازحين، تدمير المستشفيات في غزة، جرائم ضد الإنسانية الخ الخ لأنهم صادروها والصقوها كماركة مسجلة بأوكرانيا.
يريدون محو كل آلام فلسطين وجرائم الاحتلال الصهيوني من ذاكرة العالم والشعوب المعنية. بقية العرب اختاروا كأنظمة، الوقوف الى جانب الولايات المتحدة مع انها كانت فرصة لأكثر من نظام لتغيير سياسته والوقوف بشجاعة مع مطالب الناس. كانت فرصة وما تزال لوفاق فلسطيني داخلي لحماية القضية الفلسطينية من خطر الذوبان في سخونة الحدث ووسط القلق على لقمة الخبز.
أميركا ومعامل الجرثومي والمخدرات:
روسيا تقول ان السفارة الأميركية في كييف كانت لديها وثائق تثبت ان البنتاغون شيد معملين للحرب البيولوجية في كييف وأوديسا وقاموا هناك بتطوير او توليد “مسببات” الأمراض وأن هذه الوثائق بحوزة وزارة الدفاع الروسية. موقع ايطالي موثوق تحدث هذه الساعات عن أن السفارة الأميركية كانت تنشر في موقعها في كييف معلومات كثيرة عن نظام اليكتروني لمراقبة الأمراض البشرية والبيطرية، وتحدثت السفارة عن دعم مالي للمحطة الصحية المركزية للأوبئة في كييف، معهد أبحاث الطاعون الأوكراني في أوديسا، محطة الصحة الوبائية في فينيسيا أو بلاست، المحطة الصحية لمدينة فينيتسا، محطة كالينينفيسكا رايون في إقليم فينيتسا، محطة زهيتومير أوبلاست والمحطة الإقليمية خملينتيسكا أوبلاست.
الخبر مقلق والاتهام الروسي واضح هناك شك لدى موسكو أن الولايات المتحدة صنعت اسلحة جرثومية لتهديد روسيا على أراضي أوكرانيا. هي تذكر العالم بكذبة الولايات المتحدة المعروفة بتهمة أسلحة الدمار الشامل التي كانت سببا كاذبا وحقيرا لإبادة ربع الشعب العراقي وازالته عن الخارطة خدمة لعيون الحبيبة إسرائيل وقال أحد الجنرالات الروس ان وزارة الدفاع في موسكو ستنشر الوثائق قريبا ليطلع الناس عليها. البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية سارعتا لتكذيب الروس واتهامهم بالتلفيق.
معركة جديدة إذا وداخل الحرب على موضوع حساس. هل هناك اي علاقة بين الاتهام الروسي هذا مع وباء كوفيد 19 المنتشر في العالم، لأن “مسببات” المرض والأمراض البيطرية أو الحيوانية تعيد الى الأذهان شبح الجائحة وخفافيش الصين وتجارب الحرب البيولوجية وبرنامج الحد من التهديدات البيولوجية الذي تقوده وزارة الدفاع الأميركية، وعينت وكلاء تنفيذيون للبرنامج هيئات رسمية في أوكرانيا مثل: وزارة الصحة، الدائرة الأوكرانية لسلامة الأغذية، الأكاديمية الوطنية للعلوم الزراعية ووزارة الدفاع في كييف. ردود أميركا لا تقنع والعديد من الصحفيين تلعثموا في الإِشارة للخبر ويبدو انه لا توجد تعليمات لديهم للخوض في الموضوع.
أنا لا أصدق أي دعاية، ولكن أود هنا الإشارة اولا الى كذبة الولايات المتحدة التي بررت ضرب العراق والعدوان على سوريا، وأود العودة الى أكبر جريمة معاصرة في التاريخ الحديث وهي تدمير أفغانستان بذريعة 11 سبتمبر، حيث ثبت ان سبب العدوان على أفغانستان لم يكن عملية البرجين ولا الإرهاب ولا الدفاع عن الديمقراطية، انما لإبقاء تجارة المخدرات بيد وكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه.
زعيم المافيا التائب فرانشيسكو مارينو مانويا وقف ذات يوم امام القضاة الأميركيين وقال لهم ” ماذا تريدون مني؟ بين عامي 1979 و1980 كانت شحنات المخدرات من هيروين وكوكايين تشحن من قاعدة سيجونيللا الأميركية في صقلية الى السوق الأميركية مباشرة…. انا شخصيا …. قمت بتكرير الهيروين المرسل لأميركا لحساب عائلتي المافيا بونتاديه ومافارا”.
وفي تلك الحقبة استخدمت الولايات المتحدة عائدات تجارة المخدرات لتمويل عمليات الكونتراس لهدم النظام اليساري بقيادة دانييل أورتيغا. الكونتراس قتلوا يومها 22000 نيكاراغوي جلهم أطفال ونساء وشيوخ خاصة من الريف وقاموا بترويج المخدرات لإسقاط النظام الشيوعي كما اسموه في عهد اورتيجا.
عندما أعلن بايدن عن ترك افغانستان والانسحاب من هناك اوضح انه سيبقي على بضعة الاف من المتعاقدين الأميركيين (18000 متعاقد من بلاك ووتر وأخواتها بحسب صحف أميركية) ما هو السبب؟ ابقاء تجارة المخدرات في أفغانستان تحت سيطرة المخابرات المركزية سي. آي. ايه.
الغزو الأميركي لأفغانستان أصلا وقع بعد ان قررت حكومة طالبان الأولى سنة 2000 إلغاء زراعة الأفيون وتحويل الزراعة لإنتاج مواد زراعية اخرى. وفق جنرال افغاني سابق تضع تجارة المخدرات الأفغانية سنويا في جيوب الأميركيين مبلغ 50 مليار دولار وتنفق الولايات المتحدة جزء من المبلغ على قواتها في افغانستان. عام 2020 فقط مولت واشنطن شركة متعاقدين اميركية في افغانستان بمبلغ 7 مليارات دولار.
من يضمن لنا تسريب معلومات مثيرة عن موضوع الحرب الجرثومية وفيروس كورونا الذي عصف بوجودنا وكيف نميز بين الدعاية والحقيقة؟ المطلوب هو الانتباه للكلمات والمعاني والقراءة والاستماع بوعي تام ويقظة … عل وعسى نفهم.
الدعارة السياسية ونكاح الجواسيس:
أوسخ شريحة هي المنتفعين والوصوليين والمتسلقين في أي بلد ومجتمع لأن هؤلاء لا كابح لهم وهم مستعدون لأي شيء لخدمة القوي محليا كان ام أجنبي. خطر هؤلاء يزداد عندما تواجه الأمة او شعب ما أحداثا كبرى تعصف بالوجود والمستقبل، بالحاضر والقادم. بعضهم ينتقل من صف الى صف بدون مشكلة طالما ينتفخ جيبه بشتى أوراق العملة الحرام. في كل صراعنا الطويل مع المحتل الأجنبي والمعتدي الغاشم ساهم بعض هؤلاء في “تحويل أنظار ” الناس نحو اهداف فرعية واهتمامات سخيفة وضيعة مثلهم لا تدخل في سياق الهم الوطني او مصلحة الجمهور او ما شئت من اوصاف لعبارة ” مصالح الناس “.
أذى هذه الشريحة وصل الى الجاليات العربية في المهاجر الأوروبية مثل اوضاع المهاجرين وأحوالهم الاجتماعية. اقرأ هنا وهناك مثلا وأشاهد انعقاد ندوات واجتماعات الآن عن قضايا كبيرة ونحن على مقربة من الحرب العالمية الثالثة يشارك فيها جمع من الصحافيين الإيطاليين يتحدثون عن الإٍسلام دون أن يكون بينهم صحفي مسلم واحد. يأتونك بخبراء ينظرون عليك باختلاف النقاب عن الحجاب وخطورة الخمار. البعض لا يقلق على التهديد النووي، ولكنه منشغل اليوم بختان المرأة المسلمة؟! ويصدر بيانات في محاربة الظاهرة غير الموجودة في أوروبا والنتيجة واضحة: المواطن الغربي يتابع مصيبة المرأة الأوكرانية ذات العيون الزرقاء والشعر الأشقر ومدى ما تعانيه على يد المعتدي الروسي المتوحش، ويقرف من منظر المرأة المسلمة التي ينص دينها على ختان المرأة، وهي الأكذوبة التي رسخها الطرف الآخر في الغرب لشيطنة الغير أشقر وتشويه الإسلام بيد ولسان من يتبعه ولو بالكذب.
الآن عادوا الى السينما مرة أخرى. حاول ان تتجول بين مواقع اليوتيوب وشاهد حوارات وندوات التعليق على الحرب وسترى العجب. دقق جيدا كم يتابع مناقشة موضوعية في السياسة، وكم يتابع بعض مقاطع الفيديو التي تتحدث عن ممارسة الجنس ، ترى الفارق بمئات الألوف وبعض الفيديوهات التي تتحدث عن فعل جنسي بطريقة ما تحوز على مليون وكذا مشاهدة وأكثر.
قبل يومين وصلني فيديو عن فلم “صالون هدى ” من إخراج المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد وهو نفس مخرج فلم النطف المهربة الذي وضع الشك في بسالة أسرى فلسطين في سجون اسرائيل التي تؤيد أوكرانيا وتندد بقصف مستشفيات اوكرانيا وتنسى انها مسحت عن الخريطة البنى الصحية في غزة.
تقدمة الفلم جاءت عبر صور للممثل والممثلة الفلسطينيان، عراة يمهدان لعملية جماع وتقصد المصور اظهار كل شيء بأدق التفاصيل (يا فرحة الشامتين بالفلسطيني طبعا). لم يؤثر في مشاعري فحوى الصور إنما صورة ثالثة وردت فيها عبارة عن أن تلفزيون فلسطين سيبث هذا الفلم. حاولت الاستفسار ووصلت الى موقع يبث الفلم كاملا. طبعا القصة التي يروج لها الفلم معروفة وهي تجنيد جواسيس لإٍسرائيل في صفوف الفلسطينيين واكتشاف جواسيس لإسرائيل وجدعنة أجهزة المخابرات واعطاء رسالة للشباب والشابات عن فوائد الجوسسة ومضار المقاومة مهما كان نوعها، وهم كمن يقول للشباب “تجسس وتلذذ بالنكاح وابعد عن مساوئ الكفاح”.
أربأ عن ربط كلمة فن وثقافة وابداع وتصوير واخراج فيما يخص هذا الفلم الوضيع وأرى انه لا غرابة في كل هذه الظواهر من موضوع الحجاب الى الصحافة الى ختان البنات الى نكاح العملاء والجواسيس، لسبب بسيط وهو عندما تسيطر الدعارة السياسية على المشهد فإن كل الأبواب مشرعة للدعارة الأخلاقية والاجتماعية والفكرية!