خيبة أمل مفجعة ينبغي ألا تتكرر

سمير القريوتي

وجرت مسيرة الأعلام البغيضة كما خطط لها عتاة الاحتلال لأرض فلسطين العربية، بمساعدة الغرب بطوله وعرضه دون استثناء احد منه وبغياب تام لغالبية الشعب الفلسطيني المكلوم بقيادته وغياب الجماهير العربية الملدوغة بأنظمتها، وعندما كانت الجزيرة تصر على مشاهد القمع المرعبة التي تعامل معها همج القوات الخاصة والشرطة والجيش والمستعربين الصهاينة مع الفلسطينيين في البلدة القديمة، كانت نفس القناة تبث في العواجل عدة أخبار عن احكام بالسجن لمدة 15 عاما بحق فلان وعلان في مصر بتهمة نشر أخبار كاذبة، وكانت بي بي سي العربية تبث برنامجا عن محاكمات عناصر الحراك الشعبي في السودان وقمعهم من العسكر.

النظر الى مواقع بعض القنوات العربية اثناء الإحتلال الصهيوني الثالث للقدس العربية الكنعانية اليوم الأحد، يجعلك تفهم ذاك الكم الهائل من القاذورات التي أنزلوها على مفاصل المجتمع العربي، لتلاحظ ان السفالة فاقت سفالة المستوطنين اليوم، اذ حملت الرسائل النصية المباشرة أطنانا من الشتائم على إيران والشيعة وكأنهم السبب الوحيد في ضياع العالم العربي المملوء بالكذب والنميمة، كما حملت كميات من السخرية بالسيد حسن نصر الله فكيف تصلح أمة بهذه النفسيات المريضة وأي رجاء فيها عندما تنبطح تحت أقدام عدوها وتستأسد على القريب منها في التاريخ والزمان والمكان.

كان من المفترض أن يكون اليوم الأحد هو يوم الحسم ويوم الزلزلة، ولم يتحقق لا حسم ولا زلزلة، بل حدث كل ما يحزن النفس ويدمر المعنويات. بدلا من 8 الاف مستوطن تقرر ادخالهم الى القدس دخل 50000 مستوطن مسعور معظمهم من الضفة الغربية. تمت تعبئة كل الجيش المحتل وأجهزته لحماية هؤلاء المسعورين. من كان يصدق تعهدهم بعدد معين كان من الواهمين. هؤلاء عندما يذكر الواحد منهم اسمه الرباعي يكذب ست مرات.

هذه المرة ادخلوا خمسين ألفا الى المدينة القديمة، المرة القادمة سوف يدخلون 500 ألف مستوطن، وهؤلاء يستقدمونهم متى يريدون ولا يوجد عمل لهم سوى استفزاز الفلسطيني وتسفيه العربي وتحقير المسلم والمسيحي.

ما حدث اليوم يشير بوضوح الى أن قتل شيرين أبوعاقلة لم يكن صدفة ، إنما تم التخطيط له بدقة سياسيا ، ووضعوا بأيدينا مثل الأطفال “لعبة لجنة التحقيق” كي نتلهى بها وهم كل يوم يقتلون زهرة من فتيان شعبنا في فلسطين، يتعمدون قتل الفتية بعمر الورد واليوم تجاوزوا كل المعقول كما شاهدنا على الشاشات، حين تعمدوا اعتقال بنات وفتيان في شارع صلاح الدين وهارون الرشيد وقرب باب الساهرة،  وضريهم ضربا مبرحا ، ثم تقييدهم بوحشية قل مثيلها وادخالهم مراكز الشرطة وسط جموع المستوطنين او تلك المخلوقات التي سلطها الإحتلال وكان يقودهم الأميركي رئيس الوزراء بينيت الذي يشارك عباس الثاني في حكومته وكأنه قادم من كوكب المريخ.

قبل أيام بثت الجزيرة حلقة في برنامج ” ما خفي أعظم” عن قدرات المقاومة الفلسطينية. أنا توجست شرا مع كل محبتي واحترامي للزميل ثامر المسحال. صحفيا الحلقة كانت في القمة وهو غير مسؤول، لكن توقيت البث هو الذي جعلني اضع يدي على قلبي. لماذا الآن ومسيرة الأعلام على الأبواب وهل تملك المقاومة السلاح والوسائل الحربية لكي تتوازن مع إسرائيل؟ لا يوجد عاقل واحد يقول ذلك ولا حتى في غزة. ما هي النتيجة؟ هي أن معنويات الناس ارتفعت من خلال حلقة ما خفي أعظم، لكن اليوم خاب أملها وتأثرت معنويا أمام هذا القمع الشرير الذي تصدى له أهل القدس وبصدور عارية.

المحتلون الصهاينة أفلتوا العقال للمستوطنين الذين اقتحموا الأقصى واعتدوا على المصلين ومارسوا طقوسهم التوراتية، استلقوا أرضا وانبطحوا على الجنبين ورقصوا وشتموا النبي عليه السلام وتقهقروا الى الخلف بظهورهم وكأنهم أمام ما يسموه حائط المبكى وبينيت يفرك يديه فرحا ونتينياهو يضحك ويقهقه.

لا تكفي كل الصفحات للإشارة للشعب الفلسطيني الجبار في فلسطين المحتلة وخاصة في القدس. لا تكفي الأٌقلام لكتابة وتسطير بطولات شباب وشابات القدس العربية التي احتلوها للمرة الثالثة اليوم الأحد التاسع والعشرين من مايو 2022 واستخدموا ذريعة الأعلام.

لا تتوقعوا سوى شلالات من تثبيط الهمم والسخرية من المقاومة بأٌقلام فلسطينية وعربية، ولا تستغربوا أي شيء. المهم هو عدم ارتكاب اخطاء سياسية استراتيجية من الآن فصاعدا والرد على علامات استفهام كثيرة أولها: كيف تعطي الثقة لأجهزة مخابرات بأخذ تعهدات من إسرائيل وهي التي تحترم عهدا واحدا في تاريخها؟ كيف لا تتوقف هذه الخزعبلات الرائجة والتي تقول إن العالم الغربي يتضامن مع الشعب الفلسطيني ووزراء أوروبيين لا يستطيعون التعزية بشيرين ابوعاقلة بدون إذن من موظف درجة سابعة في سفارة اسرائيل.

اعتبارا من يوم غد 30 مايو وقبل أيام من نكسة حزيران قبل 55 عاما، يجب أن يبدأ عام الفرز وحقبة الحسم. على الصعيد الفلسطيني الداخلي يجب تغيير الوضع برمته ومن جذوره، وبخطوات ثورية جسورة لا هوادة فيها. لا تجعلوا الإحتلال الثالث للقدس يدوم 55 عاما اخرى، بل 74 عاما أخرى لأن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة برجولة ابناءه وبناته كاللذين شاهدنا اليوم بطولاتهم في مواقع المواجهة كلها من نابلس حتى مركز زهرة المدائن.

Rispondi

Inserisci i tuoi dati qui sotto o clicca su un'icona per effettuare l'accesso:

Logo di WordPress.com

Stai commentando usando il tuo account WordPress.com. Chiudi sessione /  Modifica )

Foto di Facebook

Stai commentando usando il tuo account Facebook. Chiudi sessione /  Modifica )

Connessione a %s...