الفقر والجوع والقمع والعالم على حافة الإنفجار

سمير القريوتي – روما

قبل أيام نشرت هنا تعليقا على أزمة الغذاء في العالم، استنادا لبيان رسمي عن منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو)، أشار الى أن ربع سكان السودان حاليا مهددون بالموت جوعا نتيجة نقص القمح والحبوب بشكل عام وحتمية تدهور الموقف حتى شهر سبتمبر القادم.

كانت هناك ردود فعل مختلفة على منشوري تميزت كلها بحب ظاهر للسودان وأهل السودان وترددت فيها مقولة أصبحت تقال كلما ذكر السودان الغالي علينا، وبشكل تلقائي ودون وعي وهي: ” السودان سلة غذاء العالم العربي والإسلامي … والعالم “. أنا عملت سنوات طويلة كصحفي في تغطية أنباء منظمة الأغذية فاو وبأدق التفاصيل وكان ألمع خبراء المنظمة الدولية في بعض الاختصاصات من السودان والأردن والعراق وفلسطين مع انها لم تكن عضو فاعل. عرفت الكثيرين منهم حيث تميزوا وخاصة السودانيين.

للأسف وكلما تعاملت مع أي شأن عربي، تلمس بحكم الواقع أن مشاعر العاطفية هي التي تتغلب دائما عندما نتحدث عنها، ففي اخر 30 سنة لم نشهد يوما واحدا أن السودان بأرضه الشاسعة وثرواته الغنية قد أطعم أهله وليس العالم العربي برمته. هذا يدلل أن كل احصائية مصدرها أنظمة الحكم القائمة في العالم العربي، ابتداء من ميزانية بلدية نائية وحتى ميزانية “الأمن القومي” هي كاذبة وغير صحيحة إطلاقا، بدليل ان طوابير الاصطفاف على شبابيك البنك الدولي للاستدانة الباهظة الثمن مكونة من بلدان عربية ونظيرتها من العالم الثالث.

قبل أيام شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعي، شخص يدعي انه إعلامي مرموق ويرتدي طقما فاخرا ثمنه يمول مخيم لاجئين من العالم الثالث (يشبه أناقة مسؤولي السلطة الفلسطينية)، وهو يطبل ويزمر بالإنتصار الساحق الذي حققته مصر على رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، وكيف تمكنت مصر من استقدام مفوضة الاتحاد الأوروبي السيدة فون دارلاين الى القاهرة وتركيعها مع أردوغان وارغامها على توقيع اتفاقية الغاز المصري الإسرائيلي الى اوروبا بدلا من الغاز الروسي، غاز الغزاة المعتدين الذين احتلوا بلاد الأوكران المقدسة الطاهرة.

ما يسمى بالإعلامي الذي لم أعرف اسمه لحسن حظي هومن من مصر البلد الذي نعشقه ونحبه جميعا مثل السودان ، يصور أسوأ وأفشل صفقة بالتاريخ على انها انتصار مؤزر لمصر على العالم وهو لا يقول للناس أن الغاز الذي ستسيله اسرائيل في معامل التسييل المصرية هو غاز عربي مسروق من فلسطين وسوريا ولبنان ومصر نفسها ، وهو لايقول للناس أن تركيا تعترف باسرائيل منذ أيام الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وهو همه الوحيد تلميع فشل ذريع يريد أن يصوره على أنه انتصار على تركيا وأردوغان دون أن يدرك ان طفلا صغيرا يضحك عليه لأن المنتصر الوحيد في القصة هي اسرائيل فقط لا غير.

إبان الأزمة الغذائية الكبرى الأولى في العالم (عقد سبعينيات القرن الماضي) قال تقرير مختص للمعهد الدولي لبحوث السياسة الغذائية في واشنطن ، أن العجز الغذائي لعدة بلدان نامية سنة 1975 بلغ كالتالي : الهند 1.4 مليون طن متري ، نيجيريا 0.4 م ط م ، بنغلادش 1 ، أندونيسا 2.1 ، مصر 3.7 مليون طن متري ، دول الساحل 0.4 ، اثيوبيا 0.1 مليون طن متري ، بوروما ( 0.4) وقياسا مع نسبة الاستهلاك لديها فائض ، الفلبين 0.3 ، أفغانستان صفر والعجز المتوقع فيها عام 1990 1.5 مليون طن متري ، بوليفيا وهاييتي 0.3 مليون طن متري .

مر على هذه التقديرات الرسمية الأميركية اليوم 47 عاما ولم تتغير الأوضاع سوى الى الأسوأ. نحن نريد الخير لكل بلدان العالم النامي دون تفرقة أو تمييز لكننا قرفنا من الخداع والكذب والانتصارات الوهمية والزائفة وقبلها أصبنا بالغثيان جراء حفلات التطبيل والتزمير والتباهي بأوهام يدحضها الواقع دون رحمة وسئمنا تلميع القمع بكل الألوان الخسيسة التي تحاول التستر على سوداوية الحاضر والمستقبل.

Rispondi

Inserisci i tuoi dati qui sotto o clicca su un'icona per effettuare l'accesso:

Logo di WordPress.com

Stai commentando usando il tuo account WordPress.com. Chiudi sessione /  Modifica )

Foto di Facebook

Stai commentando usando il tuo account Facebook. Chiudi sessione /  Modifica )

Connessione a %s...