سمير القريوتي – روما

يتوجه يوم الأحد 25 سبتمبر الحالي أكثر من 46 مليون إيطالي الى صناديق الاقتراع في انتخابات طارئة،لاختيار أعضاء فرعي البرلمان للفترة التشريعية التاسعة عشرة منذ قيام الجمهورية ويصوت الناخبون لأول مرة لانتخاب 400 عضو لمجلس النواب و 200 عضو أو نائب لمجلس الشيوخ بعد قانون لإصلاح تركيبة البرلمان،كما يحق لمن بلغ من العمر 18 عاما التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ بدلا من 25 عاما وذلك لاتاحة الفرصة للشباب المشاركة في العمل السياسي العام.
تجري الإنتخابات على أساس قانون روزيتيللوم (نسبة للنائب روزاتي الذي اقترح القانون) المعقد ويجيز انتخاب 25 % من عدد النواب في المجلسين بالغالبية الأسمية و 75 % بنظام النسبية الخالصة،و تجري هذه الإنتخابات الطارئة أو السابقة لآوانها لاختيارنواب فرعي البرلمان أي مجلسي النواب والشيوخ بواسطة قسيمتين الأولى برتقالية اللون لمجلس الشيوخ والثانية زهرية اللون لمجلس النواب.
في سبتمبر 2020 تم سن قانون إصلاحات لنظام الإنتخابات قدمه حزب حركة 5 نجوم، تقرر على اثره تخفيض عدد أعضاء مجلس النواب من 630 نائبا الى 400 نائب واعضاء مجلس الشيوخ من 315 الى 200 نائب او سيناتور.
النظام الإنتخابي للغرفتين “مختلط ” بمعنى ان 37% من نواب الغرفتين او مجلس النواب ومجلس الشيوخ يتم انتخابهم في دور واحد بنظام الغالبية الأسمية (صوت واحد لأسم واحد) وبهذا يتم منح 147 مقعد في مجلس النواب و74 مقعد في مجلس الشيوخ.
يتم وفق قانون الإصلاح الأخير انتخاب 61% من نواب الغرفتين وفق نظام النسبية الخالصة ويحدد نصاب دخول البرلمان للقوائم المنفردة بحصول قائمة الحزب اوالجهة المرشحة على 3% من الأصوات وقوائم التحالفات أو الائتلافات الانتخابية بين عدة أحزاب على 10% كحد أدنى لدخول البرلمان.
يخصص 2% من عدد المقاعد للإيطاليين المقيمين في الخارج بمنح 8 مقاعد لهم في مجلس النواب و4 مقاعد في مجلس الشيوخ ويتم اختيارهم بالنظام النسبي وترجيح أصوات الأفضلية كما تسمى. ويبلغ عدد الإيطاليين المقيمين في الخارج حاليا ويحق لهم الانتخاب 4.871.731 مواطن ايطالي موزعون كالتالي: 2.645.30 في أوروبا، 1.535.804 في أميركا الجنوبية، 437802 في أميركا الوسطى والشمالية،253095 في افريقيا،آسيا،المحيطات،القطب الشمالي وغيرها.
إيطاليا تغيرت تماما في السنوات الأخيرة بمقدار 360 درجة وعلى كافة الصعد،حيث انتهت تجارب الجمهوريتين الأولى والثانية حين زالت هيمنة اكبر قطبين الديمقراطي المسيحي الذي تقلب في تفاعلاته وأنتج ظواهر عدة مثل الليبرالية الرأسمالية والتي أفرزت ظاهرة رجل الإعلام بيرلوسكوني الذي سيطر وحكم لعقدين من الزمن (1994 – 2011) والقطب العملاق الآخر وهو الحزب الشيوعي الإيطالي الذي تفاخر أنه أكبر حزب شيوعي في العالم الرأسمالي ، ثم تهاوى حين فلتت من يده نقابات العمال ومنظمات الشبيبة ووصلت الى قيادته شريحة شباب درسوا في منظمة الكومسمول السوفياتية ، ثم تحولوا الى هواة يركضون وراء الأحلام الليبرالية ويختصرون عبارات ومسميات كانت تبرز المنجل والمطرقة برسمة السندانة والزيتون ، خاصة بعد ان خاضوا تجارب الحكم عبر داليما و برودي وأماتو وماتيو رينزي الذي قلب الحزب اليساري الديمقراطي او الشيوعي رأسا على عقب وأعلن الولاء التام لحلف شمال الأطلسي ناتو ولليبرالية الأميركية وافكار العولمة وأصبح أكبر صديق لإسرائيل ورفض مجرد التفكير والاعتراف بشيء اسمه دولة فلسطين.
في فترة انهيار القطبين زالت أحزاب عريقة مثل الاشتراكي والجمهوري والليبرالي واحزاب يسارية متشددة مثل اعادة التأسيس الشيوعي والديمقراطية البروليتارية ورحل معظم عناصر هذه الأحزاب نحو اليمين اي بيرلوسكوني وبعضهم من اليسار انتهوا في احزاب صغيرة تؤمن باليسار فكريا وبدون وزن فعليا حيث ظلت محدودة العدد في البرلمان.
ظاهرة التغيير الكبرى كانت ولادة حركة 5 نجوم كحركة ضد النظام القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وعام 2018 كان عمر الحركة 7 سنوات فقط معظم عناصرها من الشباب الفتي،وتحدت حكومة ماتيو رينزي رئيس الوزراء الشاب أيضا،وفازت الحركة الشعبوية الجديدة التي لا تنتمي لليسار ولا لليمين،واصبحت الحزب الأول ودشنت عهدا جديدا من التحالفات الوزارية بدءا بتشكيل حكومة جوزيبيه كونتيه الأولى بالتحالف مع اليمين الممثل برابطة الشمال وفورسا ايتاليا واستمرت حكومة كونتيه الأولى حتى صيف 2019 ، ثم انهارت وقامت حركة 5 نجوم بطرد الرابطة من التحالف الوزاري وتشكلت حكومة جوزيبيه كونتيه الثانية بالتحالف مع اليسار الإيطالي المتمثل بالحزب الديمقراطي(اينريكو ليتا) وحزب يساري اسمه أحرار ومتساوون ودعم الحكومة من الخارج ماتيو رينزي الذي انشق عن الديمقراطي واطلق اسم “ايطاليا القيم” على تشكيله الحزبي ، وتلقت حكومة كونتيه 2 دعم أحزاب: الخضر والاشتراكيين وأوروبا أكثر بقيادة ايما بونينو.
حكومة كونتيه الثانية تولت مواجهة أزمة جائحة كورونا الغير مسبوقة في العالم وتميز كونتيه وهو من خارج الأحزاب لكن السلطة والحكم والوزارات تغري وتفسد ، فقد تحول الوضع السياسي في إيطاليا الى ساحة تصفية حسابات بين مختلف الأحزاب، واصبح المواطن لا يميز كثيرا بين يسار ويمين او تقدمي ويميني متشدد ومعتدل وممزوج اللون وتعرضت حركة 5 نجوم الى هزات وانشقاقات عدة أدت بعد فترة الى سقوط حكومة كونتيه 2 وقرر رئيس الجمهورية سيرجو ماتاريللا عام 2021 تعيين رجل المصارف ماريو دراغي رئيسا لحكومة “وحدة وطنية ” شاركت فيها كل أحزاب البلد ما عدا حزب أشقاء إيطاليا (فراتيللي دي ايتاليا) وهو الحزب الفاشي السابق وتقوده اليوم السيدة جورجا ميلوني المولودة عام 1977 في العاصمة روما.
السيدة ميلوني اتفقت مع احزاب اليمين أي الرابطة وفورسا ايتاليا والمعتدلون الكاثوليك على البقاء خارج الحكومة لأنها لا تتفق مع دراغي ولو على شيء واحد لا في السياسة ولا في الإقتصاد وكانت شعبيتها لا تصل الى 10% وبهذه المعارضة الثابتة ارتفعت شعبيتها خاصة وأنها لم تتورط في السجال على مصير حكومة دراغي التي دخلت في أزمة حادة في ربيع هذه السنة تطورت تباعا وظلت جورجا ميلوني على موقفها وقالت “للخروج من هذا الوضع لا بد من حل البرلمان وإجراء انتخابات طارئة ضمن العرف الدستوري” تمسكت بهذا الموقف ولم تحيد عنه،ودعمها اليمين برمته وبالفعل سقطت حكومة ماريو دراغي في نهاية يوليو تموز الماضي وقرر رئيس الجمهورية ماتاريللا حل فرعي البرلمان واجراء انتخابات سابقة لآوانها يوم 25 سبتمبر الحالي،وكلف حكومة دراغي بتصريف الأعمال فقط كما ينص الدستور.
تغير المشهد السياسي الإيطالي برمته وجرت معارك تحديد المواقف والمواقع والتحالفات وتقديم الترشيحات واتضح الوضع على حقيقته وبأرقام مراكز الاستطلاع والإحصاء اصبح الوضع واضحا وأن المعركة الحاسمة ستكون بين 4 أقطاب هي:
تحالف اليمين الإيطالي ويضم:
أشقاء إيطاليا برئاسة جورجا ميلوني
حزب الرابطة برئاسة ماتيو سالفيني
حزب فورسا ايتاليا (هلم إيطاليا) برئاسة سيلفيو بيرلوسكوني
تجمع المعتدلين في اليمين برئاسة ماوريزيو لوبي
تحالف اليسار الإيطالي ويضم:
الحزب الديمقراطي برئاسة اينريكو ليتا
حزب الخضر برئاسة انجلو بونيللي
حزب اليسار الإيطالي برئاسة نيكولا فراتوياني
حزب الإلتزام المدني برئاسة لويجي دي مايو
حزب أوروبا أكثر برئاسة إيما بونينو
تحالف القطب الثالث ويضم:
حزب العمل برئاسة كارلو كاليندا
حزب إيطاليا القيم برئاسة ماتيو رينزي
الطرف الرابع ويضم:
حركة 5 نجوم برئاسة جوزيبيه كونتيه وتخوض الحركة الانتخابات لوحدها تمشيا مع مبادئها بعد المشاركة مع أحد في القوائم الإنتخابية.
تبقى مجموعة متناثرة من القوى و القوائم، نخص بالذكر منها قائمة الاتحاد الشعبي برئاسة عمدة نابولي السابق دي ماجستريس وبعض قوى يسارية، تهدف على الأقل الى تجاوز نسبة 3% لدخول البرلمان.
فترة الصمت الانتخابي التي تعني حظر نشر أي استطلاع للرأي بدأت قبل 15 يوم، وخلال يوم الجمعة 23 سبتمبر يعقد قادة الأحزاب مهرجانات انتخابية كاخر فرصة لحث المواطنين على تأييد برامجهم.
البرامج تدور كلها وربما تتشابه على محاور مركزية هي:القوة الشرائية للمداخيل ،التهرب الضريبي، التضخم المالي وغلاء المعيشة المتصاعد لاسيما غلاء فواتير الغاز والماء ولكهرباء، مرتب الحد الأدنى،موجات الهجرة الأجنبية الى ايطاليا ومكافحتها، اصلاحات العدالة،اعادة الحياة الى الصحة العامة وحمايتها وعدم الاستمرار في الخصخصة،إصلاحات شاملة في قطاع المدارس والنظام المدرسي ،مشاكل البيئة والطاقة المتجددة، موضوع تساوي الميزانيات واحتمال شطب البند الخاص به في الدستور،كيفية انفاق ميزانية الدعم الأوروبي لمواجهة كورونا ومقدارها 206 مليارات يورو خصصت لإيطاليا، مسألة الحد الأدنى للمرتبات، مسألة مرتب المواطنة لمساعدة الفقراء والشباب العاطل عن العمل،مسألة الضريبة المبسطة ومسألة اصلاح نظام التقاعد.
هل ستكون الحكومة القادمة ومهما كان لونها قادرة على مواجهة كل هذه القضايا وهل ميزانيات الدولة في وضع يسمح بحلها وهل إيطاليا قادرة على مواجهة تطورات أزمة أوكرانيا كلها اسئلة بدون جواب.
الوزن العربي في هذه الإنتخابات معدوم ومغيب وغير موجود ومن يقول غير ذلك انما يخدع نفسه وغيره والوزن الإسلامي على أسوأ ويكفي النظر الى تصريحات ومواقف المرشحين مثل السيدة ميلوني التي تجدد موقفها بفرض حصار بحري على ليبيا لحماية الحدود الإيطالية ومنع وصول المهاجرين، وتصريحات شريكها في القائمة ماتيو سالفيني الذي قد يعود الى وزارة الداخلية الذي وعد بسياسة متشددة ضد المهاجرين ومنع المنظمات الغير حكومية من ادخال سفنها الى موانيء ايطاليا.
بشأن الوضع الدولي كل الأحزاب والقوى التي تخوض الانتخابات تعلن ولائها التام لإلتزام ايطاليا الأطلسي والاتحاد الأوروبي والغرب، حتى ان زعيم ائتلاف اليسار اينريكو ليتا عاير خصومه في اليمين وقال بعد خطاب بوتين حول التعبئة الجزئية:
“هناك غموض كبير لدى القوى السياسية في بلدنا، عليهم أن يقفوا ويقولوا بصوت عال ودون تردد اين تقف ايطاليا، عليهم أن يقولوا … إيطاليا ليست مع روسيا.. إيطاليا ضد روسيا “(احد خبثاء السياسة ذكر ليتا انه عندما كان رئيس وزراء ايطاليا سنة 2013 ابرم مع روسيا 28 اتفاقية تعاون) !!!.
أما بصدد العلاقة مع إسرائيل فالجميع يؤيد اسرائيل دون تردد وكلهم يهرولون الى سفارة اسرائيل في أصغر مظاهرة تأييد حتى ان زعيم الرابطة وعد انه ان تولى منصب رئيس الوزراء فسوف يقوم فورا بنقل سفارة إيطاليا من تل أبيب الى القدس المحتلة.
اخر استطلاع للرأي نشرت نتائجه كان يوم 9 سبتمبر الجاري وقالت النتائج:
ائتلاف اليمين بقيادة جورجا ميلوني سيحصل على 46.9 % الى 47.2 % من اصوات الناخبين.
ائتلاف وسط اليسار بقيادة اينريكو ليتا سوف يحصل على 28.6% من الأصوات.
حركة 5 نجوم بقيادة جوزيبيه كونتيه سوف تحصل على 12.2% من الأصوات.
القطب الثالث برئاسة كارلو كاليندا سوف يحصل على 6.5% من الأصوات.
أما في عدد المقاعد ووفق هذه النسب سيكون التوزيع كما يلي:
400 مقعد في مجلس النواب سيحصل اليمين على 249 منها واليسار على 82 منها ويبقى 69 مقعدا للاخرين.
200 مقعد في مجلس الشيوخ،سيحصل اليمين على 121 مقعد منها واليسار 43 مقعدا ويبقى 36 مقعدا للآخرين.
اذا صحت هذه الأرقام ولم تتغير فإن اليمين سيحكم 5 سنوات كاملة دون مشاكل وستكون المعارضة في مواجهته ضعيفة بكل معنى الكلمة ولاحول لها ولا قوة، وسيغير اليمين كل شيء كما يحلو له، وقد يصل التغيير الى سن قانون انتخابي من تفصيل اليمين و سن قانون اصلاح دستوري بحيث تنتقل البلاد الى نظام رئاسي كامل ينتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب ، لكن كلها توقعات واذا جاءت النتيجة بتعادل وهذا صعب جدا لأن الأمر يعتمد على عدد الناخبين حيث تقول التقديرات ان 42% من الإيطاليين سيقاطع الإنتخابات ولن يصوت وهذا سيكون في مصلحة اليمين.
أوفر عليكم توقعاتي الى الأسبوع القادم بعد اعلان النتائج، لكتابة تحليل مفصل لنتائج هذه الانتخابات التي تعلن صباح الاثنين.في الاسابيع اللاحقة للنتيجة ينصب البرلمان الجديد ويتم انتخاب رئيسي المجلسين واختيار اعضاء اللجان البرلمانية ورسم جدول الأعمال وافتتاح الفترة التشريعية الجديدة وهذا يعني ان تشكيل الحكومة الجديدة لن يتم إلا في منتصف أكتوبر القادم وربما في نهاية نفس الشهر.