سمير القريوتي – روما

حقق حزب فراتيللي دي ايتاليا (اخوان ايطاليا او اشقاء ايطاليا وهي العبارة الأولى في النشيد الوطني الإيطالي) انتصارا تاريخيا في الانتخابات التشريعية الطارئة التي جرت يوم الأحد الماضي 25 سبتمبر، وتمكن الحزب بقيادة جورجا ميلوني من الحصول على 26.1% في انتخابات مجلس الشيوخ او ما يساوي 66 مقعدا و 25.% في مجلس النواب أي ما يساوي 118 مقعدا في هذا المجلس.
الحزب الديمقراطي قائد تكتل وسط اليسار الإنتخابي حقق لوحده في مجلس الشيوخ 18.96% او ما يعادل 37 مقعدا وفي مجلس النواب حقق 19.07% من الأصوات اي 65 مقعدا.
حركة 5 نجوم التي خاضت الإنتخابات منفردة حققت 15.55% في مجلس الشيوخ اي 28 مقعد و 15.4% في مجلس النواب او 52 مقعد.
القطب الثالث (حزب العمل كاليندا وايطاليا القيم رينزي) حقق 7.73% أي 9 مقاعد في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب كانت له 7.79% او 21 مقعدا معظمها للعمل بقيادة كاليندا.
تكتل اليمين الانتخابي حصل على 112 مقعدا في مجلس الشيوخ منها 66 لأشقاء إيطاليا،29 للرابطة بزعامة سالفيني، 18 لفورسا ايتاليا بيرلوسكوني و 2 مقعدان للمعتدلين المحافظين بزعامة لوبي.
نصاب الغالبية الوزارية في مجلس الشيوخ : 104 صوت
في مجلس النواب، حصل اليمين المنتصر على 237 مقعد منها 118 مقعد لأشقاء ايطاليا ميلوني، 65 مقعدا للرابطة سالفيني،45 مقعد لفورسا ايتاليا بيرلوسكونيو 7 مقاعد للمعتدلين المحافظين لوبي.
نصاب الغالبية الوزارية في مجلس النواب 201 صوت
تكتل وسط اليسار له في مجلس النواب 79 مقعد منها 65 مقعد للديمقراطي اينريكو ليتا، خضر ويسار 12 مقعد واوروبا أكثر 2 مقعدان.
حركة 5 نجوم برئاسة جوزيبيه كونتيه لها في المجلسين 80 مقعدا وللقطب الثالث بزعامة كارلو كاليندا وماتيو رينزي 30 مقعدا فقط.
ما هي أسباب هذا الإنتصار الكاسح لليمين الإيطالي؟ السبب الأول هو نسبة المقترعين في الإنتخابات التي كانت 63% وهي الأقل في تاريخ ايطاليا ومعناها أن 16 مليون مواطن ايطالي امتنعوا عن التصويت لعدم تصديقهم لأي حزب في البلد وهذا ساعد اليمين كثيرا ودفعه لاقتناص الفرصة ومخاطبة الجمهور ببرنامج من 15 نقطة ركز على قضايا عامة مثل غلاء المعيشة والضرائب والتقاعد والتعليم والأمن والمهاجرين وبعض الإشارات لحرب اوكرانيا.
السبب الثاني هي الصعود الساحق لشخصية جورجا ميلوني ابنة روما التي لعبت ورقة المعارضة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة ماريو دراغي واصرارها على التحالف فكريا وانتخابيا مع حزب بيرلوسكوني وحزب ماتيو سالفيني اي الرابطة وبقائها خارج حكومة دراغي دون تنازل او تراجع، مما جذب الكثير من اصوات الرابطة اليها نظرا لحسمها و تميزها بصلابة الموقف تجاه ممثل المصارف الدولية والأفكار الأطلسية أي ماريو دراغي الذي طبل وزمر له الآخرون وخاصة زعيم اليسار اينريكو ليتا الذي كان ينحني امام دراغي وكأنه قديس مر على روما لينقذها من ويلاتها الكثيرة ونسى ليتا اصول حزبه الديمقراطي الذي كان يسمى الحزب الشيوعي عدو رأس المال الجشع والنهاب لثروات الشعوب ونصير الطبقة العاملة وقائدها والمتضامن الحقيقي مع حركات التحرر في العالم الثالث بدءا من الجزائر مرورا بفيتنام وانتهاء بفلسطين.
السبب الثالث هو الحرب السرية التي شنتها كل هذه القوى على حزب حركة 5 نجوم اكبر حزب في ايطاليا بدءا من اجتذاب نواب منه فورا الى مجموعات مختلطة في البرلمان منذ عام 2018 و حتى يوم حل البرلمان في الصيف الماضي و تركزت الحرب على شخص رئيس الوزراء السابق جوزيبيه كونتيه الذي ترأس الحركة بعد استقالة دراغي فقط.
الشخص الذي دمر اليسار الإيطالي وانتقم وما يزال من حركة 5 نجوم هو ماتيو رينزي الذي كنس اينريكو ليتا من رئاسة الحكومة الإيطالية التي شكلها عام 2013 ثم انتزع منصب امين عام الحزب الديمقراطي وقرر طرد القادة والكادر اليساري والنقابي منه، وابرم اتفاقية تعاون (غير مرئي) مع حزب بيرلوسكوني المتهاوي (عرف باسم حلف نازارينو حيث استضاف بيرلوسكوني في قيادة الحزب الديمقراطي في قصر نازارينو) وحاول التصدي لحركة 5 نجوم الصاعدة والتي هزمته هزيمة ماحقة في انتخابات 2018واصبحت الحزب الأول في البلاد وشكلت اول حكومات كونتيه بالتحالف مع الرابطة حين كان ماتيو سالفيني زعيمها وزيرا للداخلية ثم طردت الرابطة من التحالف عام 2019 وشكلت الحركة حكومة كونتيه الثانية ، واستمر رينزي في بهلوانياته السياسية حيث شكل حزب إيطاليا القيم، وادعى انه هو الذي جلب ماريو دراغي الى الحكومة وواصل ثأره من حركة 5 نجوم واتهمها أنها أسقطت حكومة حلال العقد وصانع العجب ماريو دراغي.
السبب الرابع هو رصانة مواقف جورجا ميلوني، لأنها تتكلم وتفعل، تثبت على موقفها ولا تتقلب او “تتوجهن” كما يقال باللهجة الفلسطينية أي لا تتملق بالعربي الفصيح،هي ربما تكون الوحيدة في القيادة الجديدة من اصحاب التجربة الحزبية التقليدية ، حيث ترعرعرت في حزب التحالف القومي( الأسم القديم لحزب الحركة الإجتماعية الفاشية، الذي أسسه جورجو ألميرانتي احد ضباط جمهورية سالوو في شمال إيطاليا التي شكلها بينيتو موسوليني اثناء انسحاب القوات الألمانية من ايطاليا بعد هزيمتها في الحرب). حزب التحالف القومي كان برئاسة وزير الخارجية الأسبق جان فرانكو فيني وجاءت جورجا ميلوني الى قيادة التحالف القومي بعد عزل فيني بسبب خلافات له مع بيرلوسكوني وتوريط فيني في فضيحة مالية يقول انها كانت مؤامرة شخصية لعزله. ميلوني قادت الحزب نحو نصر ساحق ورفعت نسبة شعبية الحزب من 4.5% الى 26.1%.
السبب الخامس هو خطاب جورجا ميلوني.ليسمح لي القاريء بالإشارة الى تجربة شخصية جدا وهي تعلمي اللغة الإيطالية عندما وصلت الى هذه البلاد. بعد دراسة اللغة كنت أشارك في كل الاجتماعات والمهرجانات الحزبية في مدن ايطاليا المختلفة ، وسحرت بخطابات اثنين من زعماء ايطاليا التاريخيين الأول هو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإيطالي جان كارلو باييتا صديق فلاديمير ايليتش لينين (كان لي الشرف أن أرافق باييتا الى بيروت عام 1976 واترجم لقاءاته مع ابوعمار وقيادات الحركة الوطنية اللبنانية)،كما سحرت وصعقت بخطابات زعيم الحزب الفاشي او الحركة الاجتماعية جورجو ألميرانتي الذي كنت اتابعه في عملي الصحفي.
كان الميرانتي يزعزع الساحات بلغته الإيطالية الهائلة وكان باييتا الوحيد القادر على مقارعته بنفس اللغة الإيطالية الراقية. منهما تعلمت بعض أسرار الخطابة باللغة الإيطالية. اوردت هذه الملاحظة كي اقول أن جورجا تقلد ألميرانتي في لهجة الخطاب والحديث وتوصل الرسالة بشكل بسيط يفهمه الناس والشباب بغض النظر عن مستواهم التعليمي.خطاب ميلوني يستند لفكر ومنهج حتى وإن لم نتفق معها سياسيا وهذا من اسباب نجاحها.
الآن وبعجالة لنوضح من هو المسؤول الحقيقي عن انهيار اليسار بهذه الطريقة. انه اينريكو ليتا المتردد دوما، الذي لا يثق كثيرا بما يقوله وغيابه المستمر عن المواقف الواضحة ، لقد دخل في ائتلاف مع حركة 5 نجوم وعلى مضض في حكومة كونتيه الثانية وكان يتحين الفرص ليدير ظهره للاتفاق وسنحت له الفرصة حين تمكن خصمه القديم رينزي من حبك لعبة ىتشكيل حكومة دراغي عام 2021 واصبح شغله الشاغل التودد لدراغي والتهرب من اتفاقه مع حركة 5 نجوم وعمل على استمالة وزير الخارجية لويجي دي مايو الى صفه الى ان ضمه الى تحالفه الانتخابي و ” خرب بيته ” حيث ظل دي مايو خارج البرلمان ولم يصوت له حتى ابن الجيران !!!. ترك اينريكو ليتا الحزب الديمقراطي بلا قيادة ، يدعم ما يقوله دراغي ونقطة اول السطر. في الحرب الأوكرانية كان قائد قوات القصف اليومي للمعتدي بوتين ومعايرة كونتيه وسالفيني انهما من الموالين للعدوان الروسي الغاشم الحقير والمتوحش، حتى ان احد قادة اليمين قال له ان يخجل على نفسه وذكره انه عندما كان رئيس وزراء في روما ابرم 38 اتفاقية مع الرفيق بوتين !!. اليمين عايره وقال نوابه للديمقراطي نحن نريد مناقشة برامج العائلة وانت يا ليتا شغلك مواضيع مثل اباحة المخدرات الخفيفة وزواج المثليين وتجنيس ابناء المهاجرين ليس حبا فيهم انما لزيادة طابورك الانتخابي. في مجتمع محافظ في بعض قطاعاته مثل المجتمع الإيطالي حيث توجد الكنيسة على الأرض،هناك من يلتفت لهذه الملاحظات.
اينريكو ليتا على الأقل يشد الرحال للمغادرة في مؤتمر الحزب القادم وهذه بادرة جيدة اي انه يدفع الثمن ويرحل. حركة 5 نجوم بهذا الحجم من الأصوات هي القوة الثالثة ولا بد من التعامل معها في موضوع المعارضة لحكومة اليمين وعليها أن تتعظ ولا تنزل لمساومات على حساب المبدأ والا سوف ستزول الى الأبد وتندثر.
رينزي موجود في اليابان وهرب من مواجهة الصحافة وشبكات التلفزيون ولكنه ضمن لنفسه ولصحبه بعض مقاعد البرلمان وسيظهر في الوقت المناسب وهو ذكي لأنه لو خاض الانتخابات لوحده لكان مصيره مثل دي مايو ولكسب اصوات بنات الجيران وبواب عمارته فقط ولما دخل البرلمان أبدا.
لنعود الى الحاضر ونقول ان السيدة ميلوني بدأت المشاورات داخل الائتلاف لتشكيل الحكومة الجديدة وهاهي تصطدم بأول عقبة اسمها حليفها ماتيو سالفيني زعيم الرابطة الذي انهزم في الانتخابات هزيمة ساحقة قد تؤدي للإطاحة به قريبا داخل الرابطة التي لم تحقق حتى نسبة 10%.سالفيني مصر ويريد منصب وزير الداخلية لكي يواصل حربه على المهاجرين الأجانب خاصة مهاجري تونس وافريقيا والعالم الثالث.ميلوني تعرف ان تعيينه في المنصب مستحيل،لأنه قيد المحاكمة بتهمة احتجاز مهاجرين كرهائن حين منع قبل ثلاثة اعوام سفينة انقاذ تابعة لمنظمة غير حكومية واوروبية من دخول موانيء ايطاليا ويخاطر بعقوبة السجن لمدة 15 سنة. رئيسة الوزراء المتوقعة تدرك جيدا ان رئيس الجمهورية لن يوافق على تعيينه في الداخلية ويقبل منحه وزارة اخرى والخلاف على اشده وسنرى كيف ينتهي. الأمور سوف تتضح بعد انتخاب رئيسي مجلسي النواب والشيوخ يوم 13 اكتوبر القادم ومن المتوقع ان يكلف رئيس الجمهورية السيدة ميلوني بتشكيل الحكومة يوم 24 اكتوبر.
ميلوني تتعرض لضغوط كثيرة خاصة من لوبيات مؤيدة للولايات المتحدة وهي تواصل بعث إشارات المديح الى زلينسكي الذي يعمل على بعث رسائل نصية ليلا نهارا ولكنها وحتى الآن لم تستخدم كلمات قوية بحق روسيا مثل ليتا ودراغي ورينزي وسنرى تطورات المواقف في الأيام القادمة. هل اليمين قادر على الحكم ؟ اعتقد نعم لأن لديه غابية مريحة في المجلسين ولا توجد معارضة قوية أمامه والخطر الوحيد الذي يهدد اليمين هو احتمال نشوب حرب عشائرية بين اطرافه واستبعد ذلك.
اختم النص بتأكيد وجهة نظري الراسخة وهي أنه لا يوجد أي تأثير أو وزن من اي نوع لا للعرب ولا للمسلمين في الساحة السياسية الإيطالية، سوى خبر مفرح واحد وهو فوز سيدة مغربية مع الحزب الديمقراطي في مدينة بولونيا بشمال ايطاليا ، حيث يملك الحزب اليساري هناك قاعدة جماهيرية صلبة . نتمنى لها النجاح وأنا قرأت عن التزامها الحزبي في الديمقراطي منذ 4 سنوات وعرفت انها صعدت بفضل عملها والتزامها اليومي أي انها وصلت بذراعها بفضل عملها وذكاءها ودون منة من أحد.