سمير القريوتي

الحروب بكل مأساويتها وضحاياها تتحول عادة الى مدرسة يومية لأجيال وأجيال، خاصة لدى من يعاني منها وبغض النظر عن أسبابها ومن يقف ورائها، وبعيدا عن الماكينة الإعلامية ومصانع الكذب والتزوير في سرد وقائعها التي تقام لدى طرفي الحرب أو أطراف الحرب كما هو الحال اليوم في حرب روسيا – أوكرانيا.
مدرسة يتعلم منها الأذكياء ويجهل الاستفادة منها الأغبياء. من منا لا يقرأ و لا يبحث في الكتب والمؤلفات عن خفايا وأسرار الحروب الكبرى او المتوسطة وحتى الحروب الصغيرة، من الحرب العالمية الثانية مرورا بحربي النكبة والنكسة وحرب اليمن التي قضت على بلد كان يسمى ذات يوم باليمن السعيد وانتهاء بأصغر حرب مجهولة في افريقيا التي يتجاهلها العالم في السراء والضراء وبينهما كوفيد – 19.
الجنرال الإيطالي المعروف تريكاريكو والذي كان مستشارا عسكريا في القصر الجمهوري الإيطالي ، رد اليوم في حوار تلفزيوني عن أسباب اختفاء كلمات مثل (مفاوضات) ، (وقف إطلاق نار) ، ( هدنة مؤقتة) في مسار الحرب الروسية الأوكرانية التي مر عليها أكثر من 47 يوما ، وقال بدون مجاملة او محاباة أو حرج أن السبب هو جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية وشدد على ان محاولة للمفاوضات قد جرت بين الطرفين والمفاوضات الجادة الوحيدة التي تمت لغاية الآن هي مفاوضات تركيا وعرض رئيس وزراء دولة الإحتلال بينيت عقد مفاوضات بوساطة إسرائيلية أي في القدس كما نعلم.
الجنرال تريكاريكو قالها بصوت مرتفع وهاديء وحاسم: لن تجري اي مفاوضات لأن جوو بايدن لا يريد لا وقف إطلاق نار ولا مفاوضات بل يريد استمرار الحرب لأطول مدة ممكنة. بيلكين وجونسون البريطاني وستولتينبيرغ امين عام الناتو يريدون الحرب وهم تحت أمرة بايدن وينفذون التعليمات فقط لا غير.
مذيع قناة (لا سيتيه) الإيطالية سأل الجنرال المتمرس وماذا يريد بايدن لبوتين؟ فأجاب بنفس القوة ( بايدن يريد تحويل بوتين الى رماد متناثر).
بعد ساعات قليلة من كلمات الجنرال تريكاركو بثت وكالة الأنباء الإيطالية (آنسا) مساء الاثنين 11 ابريل خبرا مثيرا أكثر من أصداء صواريخ اسكندر وخطابات زيلنسكي النارية وهو أن البابا فرانسيس قد يجتمع مع زعيم الكنيسة الأرثوذكسية البطريرك كيريل وأين؟ في القدس المحتلة.
مصادر موثوقة أفضت للوكالة بهذه المعلومات: (هناك تفكير أن يقوم البابا فرانسيس بعد زيارته للبنان يومي 12 و13 يونيو حزيران القادم بالذهاب الى العاصمة الأردنية عمان يوم 14 يونيو ومن هناك يتوجه الى القدس ليلتقي مع بطريرك عموم روسيا كيريل صاحب المواقف المؤيدة لفلاديمير بوتين. نفس المصادر قالت ان مباحثات تجري منذ فترة لترتيب اللقاء في منطقة الشرق الأوسط).
هذه فحوى الخبر المثير وما يعنينا هنا هي القدس المهددة بهجمة اجرامية من متطرفي الهيكل، القدس المحاصرة يوميا والمصلوبة دائما والممنوعة على أهلها والمحللة للأغراب والغربان من كل جنس. إذا صح هذا الخبر فإنه لا يأخذ بعين الاعتبار قدسية المدينة، لأن نتيجة اللقاء معروفة سلفا وهي أن اسرائيل سوف تستولي على كل نجاح يحققه وسوف تتملص من اي مسىؤولية في حال فشل اللقاء، وربما تتلقف الفشل لتطرح نفسها الوسيط الأفضل لحل معضلة الحرب الأوكرانية وما يهم سرائيل الآن أن ينعقد اللقاء في (العاصمة الأبدية لدولة اسرائيل القدس) والباقي غير مهم وتفاصيل لا يأبه بها أحد.
أنا لعنت ذلك اليوم وما زلت عندما جرت لقاءات القدس بين ياسر عرفات وقادة الاحتلال بعد مصيبة أوسلو الملعونة الى يوم الدين، كيف تفاوض في قدس احتلوها وقرروا ضمها وأعلنوها عاصمة أبدية، وتحتج على ممارسات احتلالهم. الأمر وصل بنا الى قتل بناتنا ووردات شبابنا وسط النهار وفي نص الشارع وتقول إنك ستقاوم شعبيا الإحتلال. إذا جرى اللقاء في القدس فسيكون الفشل رقم مليون للدبلوماسية الفلسطينية الجبارة التي تقتحم المحافل الدولية وتسجل كل يوم نصرا مؤزرا لا يراه أحد ولا يسمع به كائن يتمتع بسلامة الحواس الخمس.
لا بد من توجيه نداء الى اخوتنا المسيحيين العرب من الطائفتين الكاثوليكية و الأرثوذكسية حرصا على القدس وعروبتها، و يتمثل بالترحيب الكامل بالبابا فرانسيس وغبطة البطريرك كيريل،حيث نضعهما في عيوننا ولكن ليتم الاجتماع في مكان آخر وليس القدس المحتلة ، ليضغط اخوتنا المسيحيون لعقد اللقاء في بيت لحم مثلا او بيت ساحور او جبل التجربة قرب أريحا ولكن ليس في القدس .
لا يمكن عقد لقاء سلام في القدس المحرومة من السلام، لا يمكن بحث مواجهة احتلال ضيوفا على حكومة احتلال وسخ وقذر تقتل النساء والأطفال الفلسطينيين وتدعي احترام الدين. الأمل أنتم يا اخوتنا في الوطن والمصير والمستقبل. الفاتيكان حريص على مراعاة هذه التفاصيل وكذلك الأرثوذكس.
لن نعول إلا عليكم لأنكم أبناء شعب جبار يرفض الإحتلال والظلم والعدوان وفي الصفوف الأولى دفاعا عن القدس مدينة الله مدينة السلام.